كل الاشياء - بثينة العيسى
    • كل الاشياء - بثينة العيسى

    كل الاشياء - بثينة العيسى

    En Stock

    كلّ الأشياء هي رواية قلق الإنسان المعاصر، هي سؤال الموت والحرّيّة في ظلّ الهزائم والاغتراب، زمن تهشّمت فيه الشّعارات الكبيرة والأيديولوجيّات العظيمة. هي شهادة إدانة للواقع العربيّ وما ينزفه من انكسار وخيبة؛ فيكفي أن تتأمّل في وجوه الأبطال في جداريّة الغلاف حتّى تدرك بشاعة الخسران والفقد

    38,400 TND TTC
    Quantité:

    كلّ الأشياء هي رواية قلق الإنسان المعاصر، هي سؤال الموت والحرّيّة في ظلّ الهزائم والاغتراب، زمن تهشّمت فيه الشّعارات الكبيرة والأيديولوجيّات العظيمة. هي شهادة إدانة للواقع العربيّ وما ينزفه من انكسار وخيبة؛ فيكفي أن تتأمّل في وجوه الأبطال في جداريّة الغلاف حتّى تدرك بشاعة الخسران والفقد

    هي رواية سياسيّة بلا شعاراتيّة، تعكس الواقع "الدّيستوبيّ" المرير القائم على القمع والرّقابة والخوف؛ بعكس ما يطمح إليه الإنسان من عالم يوتوبيّ/ مثاليّ، وذلك في ظلّ سيادة السّجن والاستبداد وكمّ الأفواه وسلب الحرّيّات، فيمسي الواقع متاهة تصنعها الأنظمة الدّيكتاتوريّة من أجل تدجين الأفراد وتحويلهم إلى أصنام يتحرّكون وفق رغباتها أو إلى تفريخ صيصان من المرادم، ثمّ دفعهم إلى الشّكّ في كلّ شيء. كما تسلّط الضّوء على الثّورات الّتي اشتعلت في الوطن العربيّ عامّة، والكويت خاصّة، إذ تجرّع الجميع من كأس الأمل المغشوش، وتفاقمت حالة التّشظّي حين تحوّل الرّبيع إلى خريف ينزف قلقًا وألمًا. ومن أجل كلّ هذه الأشياء تكتب بثينة العيسى؛ تكتب من أجل تسمية الأشياء بأسمائها. وحتّى تسمّيها يجب أن تعرّيها، أن تكشف الممارسات القمعيّة وتفضحها

    كلّ الأشياء رواية توظّف الرّمز والأسطورة والتّناصّ والمونولوج والحلم والفلاش باك/ الاسترجاع، حيث تعتمد هذه الرّواية على زمنين أساسيّين: الحاضر والماضي. فالحاضر هو الزّمن الخارجيّ، زمن الحبكة والحدث. أمّا الماضي فهو زمن السّجن والمنفى والوطن والأب والحبيبة. تتعمّد الكاتبة هذا الأسلوب لتصف صراع جاسم الذّاتيّ، مع نفسه ومع الآخرين. لذا، لا غرو من أنّ زمن الحدث الخارجيّ لم يتعدّ بضعة أيّام قليلة مقابل الزّمن النّفسي المتخيّل، والّذي يتميّز بالحركة الطّليقة نحو أفكاره وصراعاته، مرورًا بماضيه وطفولته ليتمّم شريطًا زمنيًّا أطول. لكنّها لا تنسى في خضمّ هذا أن تصف بلدها الكويت بلغة شعريّة مسلّطة الضّوء على أسواقها وبحرها وأزقّتها وتقاليدها وتراثها، معتمدة اللّهجة الكويتيّة في الحوار؛ فجمعت كلّ الأشياء بحبكة متماسكة وبذكاء متمرّس

    كلّ الأشياء رواية رمزيّة تُقرأ في مستويين؛ على المستوى الأقرب تتمحور حول: علاقة الأب بابنه، والحبيب بحبيبته، والفرد بوطنه، حيث علاقة الإنسان الكويتيّ بوطنه وبالنّظام، وهو بعد سياسيّ يرمز في المستوى الرّمزيّ إلى علاقة الفرد بالأنظمة العربيّة بشكل عامّ، وإلى كلّ إنسان مثقّف يعيش في ظلّ نظام يسلب حرّيّاته ويسعى إلى تدجينه. وكلّ هذا في متاهة الثّالوث المحرّم الّذي لا ينفكّ يؤرّق الكاتب الّذي يريد أن يسمّي الأشياء بأسمائها، تائقًا إلى كشف الحقيقة لا تزييفها

    وفي الثّالوث المحرّم، كعهده، هناك صراع بين جدليّات لا تكفّ عن الصّراخ كثنائيّات: السّجن والحرّيّة، الموت والحياة، السّلطة والمواطن، الوطن والمنفى، الخطأ والصّواب، الحلال والحرام، السّابقون واللّاحقون، الآباء والأبناء وغيرها

    تظهر العيسى ككلّ كاتب يؤمن بأنّ الرّواية أصدق من كتب التّاريخ الّذي يكتبه المنتصرون، أي الحكّام لا الشّعوب؛ فكتب الشّعوب ملطّخة بالدّماء وصدأ قضبان السّجون وعذابات الزّنازين. ولعلّ بقراءتها لهموم مجتمعها تؤكّد على قول عبد الرّحمن منيف الّذي "يعتبر الرّواية في عصرنا إحدى أهمّ الوسائل الّتي يمكن من خلالها "قراءة" مجتمع ما. إنّها تقرأ المجتمع بتفاصيله وهمومه، تقرأ حياة النّاس اليوميّة وأحلامهم، وتحاول أن تشير إلى مواضع الألم والخلل"(بين الثّقافة والسّياسة، 1998: ص 167- 168). وعليه، أرادت العيسى أن توثّق ما يحدث بصدق، أن تكتب من أجل البحث عن الخلاص وتفريغ مشاعر الخيبة لكلّ من انتظر أملًا بالتّغيير والدّيمقراطيّة، مدركًا أنّ السّجون لم تغلق أبوابها بعد، بل زادت عمقًا بسبب سياسة كمّ الأفواه، و"كأنّ العالم- كما تقول في الرّواية- مصمّم اليوم على شاكلة سجن في بطن سجن في بطن سجن... وكلّ إنش تحصل عليه من حرّيّتك سوف تدفع ثمنه باهظًا" (ص197)

    حين يخرج جاسم، البطل بلا بطولة، من السّجن يحاول الهروب من "وشم" الهزيمة والخراب إلى المنفى الاختياريّ فيهاجر إلى لندن، لكنّه يضطرّ إلى العودة إلى وطنه ليشارك في تشييع جثمان والده، فيعود إلى قوقعة الاغتراب، فيستنشق "تلك الرّائحة" النّتنة من القمع والفساد؛ الرّائحة الّتي باتت تسود "شرق المتوسّط" / الوطن العربيّ كلّه، فيدخل السّجن/ القفص مرّة أخرى وتكتمل دائرة القمع. هكذا أخذتني العيسى إلى أدب السّجون إلى "تلك الرّائحة" للكاتب المصريّ صنع الله إبراهيم؛ "الوشم" للكاتب العراقيّ عبد الرّحمن الرّبيعي؛ و"القوقعة" للكاتب السّوريّ مصطفى خليفة، ثمّ إلى "شرق المتوسّط" للكاتب السّعوديّ عبد الرّحمن منيف وغيرها. فتأتي هي الكويتيّة وتسرد كلّ الأشياء، ما يحدث ولا يقال، وما يقال ولم يكن، تسرده بجرأة لاسعة، وتلسعنا بجحيم القمع وتيه الاغتراب مرّة أخرى.

    ليست الجداريّة الّتي على الغلاف إلّا تلك الجداريّة الّتي وصفت في الرّواية في شقّة نايف (ص 230). "فنايف الّذي يخشى النّسيان يريد أن يكون المصبّ الّذي تنتهي إليه ذاكرة كلّ النّاس، فمثله يعيش كي يتذكّر. فهذه اللّوحة الكونيّة الّتي تشكّلت على الجدار على مدى أربع سنوات وبكلّ العشوائيّة الممكنة تجعله من هو عليه، نايف الّذي يخاف أن ينسى، بينما هو جاسم أشدّ ما يرعبه هو أن يتذكّر"(ص 230). "قصاصات لا يجمع بينها شيء تتشابك وتتداخل فيما بينها تحكي حكايا وجوه وقصص بطولات منذ مارثن لوثر كينج وأمّ كلثوم وغسّان كنفاني وتشي غيفارا وإدوارد غاليانو وحنظلة ناجي العليّ ومحمّد الدّرّة.. ثمّ عالية حسين" (ص 230)؛ عالية حسين المغنّيّة الكويتيّة الّتي ما أن رآها في شقّة صديقه حتّى أدرك خسارة الماضي، أدرك لماذا كان يردّد أغانيها دومًا، فهي الكويت؛ عالية هي كويته الّتي كفّت عن الغناء واحتجبت، وما فتئ يردّد وحيدًا أغنياتها القديمة، آملًا أن تعود، فهو البائس الّذي ينتظر عودة بلاده من الماضي (ص 230) "الّبلاد الّتي ما عادت تشبه نفسها"

    ولعلّ الكاتبة تتحسّر على دولة الكويت الّتي كانت في المراتب الأولى من بين الدّول العربيّة في حرّيّة التّعبير والرّأي والصّحافة، والّتي أخذت تتراجع في العقود والسّنوات الأخيرة إلى حيث الدّول الخليجيّة والعربيّة الأخرى في تزمّتها وتقييدها للحرّيّات، فتعكس العيسى انشغال البلاد بالقرارات الّتي أقرّها البرلمان الجديد: قانون إعدام المسيء إلى المقدّسات، جهاز للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، تحرّكات لأسلمة موادّ الدّستور، مساعي حقيقيّة للتّحوّل إلى دولة دينيّة (ص 96)، ثمّ ليجد جاسم بلاده مشغولة أكثر- بعد عودته من بلاد المنفى- بقوانين أخرى: "قوانين تقيّد وسائل الإعلام الجديد، مراقبة التّويتر، اعتقال عشرات النّاشطين، ومنع عشرات الكتب كلّ سنة" (ص 83). "فأين هي الحرّيّات؟ إنّهم يسحقوننا كلّ يوم بتلك القرارات"(ص 83). إنّ هذا يفسّر دلالة توظيف التّناصّ الّذي اختارته الكاتبة من الكاتب الكولومبيّ غابرييل غارسيا ماركيز، في إحدى العتبات: "هنا في هذه المدينة لم يقتلونا بالرّصاص. قتلونا بالقرارات"، حتّى "صارت البلاد كلّها معتقلًا للآراء"، مثلما يقول جاسم، "فوحده الخراب ينتظر البلاد الّتي تطارد النّكات وتعتقل الكلمات"(ص 106)

    شخصيّة جاسم: اللّا بطولة والهزيمة

    ولأنّ السّجن هو الفقد والتّشظّي والتّهشيم؛ ولأنّه لا يعيد السّجين كما كان، خرج جاسم لا يشبه نفسه؛ فلقد أدرك "ما معنى أن يكون المرء تحت المراقبة"، وما معنى أن يفتقد خصوصيّته (ص97). لقد اختبر هذا الجحيم من الطّغيان والقهر، واختنق برائحة الصّاجة/ الزّنزانة النّتنة، فخرج منها كائنًا غريبًا عاجزًا فاقدًا للثّقة والإيمان بجدوى النّضال: "عندما يصبح المرء غريبًا عن نفسه بالكامل ينتصر النّظام"(ص 99). "كان مهزومًا مكسورًا حتّى آخر ضلع فيه" (ص 16). فبعد ستّة شهور نجح السّجن من هرس إيمانه بجدوى كلّ الأشياء، متسائلًا عن معانيها: ما هو الصّواب، ما هو الخطأ؟ كان هناك شيء قد نُسف؛ شنقته المشنقة دون أن يلمسها، كان يموت بالتّقسيط. في الزّنزانة الانفراديّة اكتشف كفره بكلّ ما آمن به، وإيمانه بكلّ ما كفر به، إلى درجة بات يسأل فيها عن هويّة الوطن، عن هويّة بلاده: "ما هي البلاد؟ ولماذا لها كلّ هذه الأوجه؟ هل تكون البلاد هي المباركيّة وسوق الجمعة والبحر ودانة، وتكون في الوقت ذاته الصّاجة والسّجن المركزيّ وعنابر أمن الدّولة؟"(ص 170). "كيف يمكنك أن تكفر بفكرة الوطن ثمّ تعشق تفاصيله"؟(ص 189)، ثمّ "لماذا يبدو الوطن مسطّحًا إلى هذه الدّرجة في الأغنيات؟ ولماذا لا يكتب أحد عن ألم العيش في بلادٍ لا تشبه نفسها؟ أم تراه هو الّذي لا يشبه مكانه"(ص170). "ماذا لو كان الوطن مجرّد نظام للسّيطرة عليك؟ دين جديد بآلهة وأنبياء وطقوس وأناشيد وشعائر بأكملها لمنح صكوك الولاء والخيانة؟ نظام كامل لامتلاكك"؟(ص171). هل الوطن هو الشّعارات السّياسيّة والأغاني؟ أليست الدّولة منظومة مقيّدة تحكم الفرد بقواعدها، وهي الّتي صنعت لأجله السّجون والمعتقلات، كما صنعت أجيالًا وأجيالًا "من الممنوعات والمحظورات والمحرّمات ما فتئت تفقس من ملايين البيوض كالنّمل والبعوض وأسماك الزّوري" (ص 124). إنّ الوطن الحقيقيّ هو المسافة كلّها، هو الانفتاح، هو كلّ الأشياء، هو "حقّ الحلم" (ص 170). إنّ الوطن للجميع، بينما الدّولة لأصحاب السّلطة والنّفوذ والأقوياء

    كان جاسم نموذجًا للمثقّف العربيّ الّذي يزعج السّلطة حين يعبّر عن رأيه، فإذا مارس هذا الحقّ لا بدّ أن تُلفّق له التّهم الجاهزة المعلّبة؛ كالسّعي إلى قلب نظام الحكم، وازدراء الأديان وإشاعة الأخبار الكاذبة، ثمّ رقابة اجتماعيّة ودينيّة في وسائل التّواصل الاجتماعيّ، ورشقه بتغريدات التّكفير والتّخوين والخروج عن الملّة. أمّا النّتيجة" فهي الخسران واللّا بطولة، فهو "جُبِل من طينة أخرى تختلف عن طينة هؤلاء أصحاب الصّور على الجدار"(ص 249) في غرفة صديقه نايف، فهؤلاء هم أبطال حفظهم التّاريخ ولن ينساهم، أمّا هو فبلا بطولة خرج من السّجن، مغتربًا عن عالمه. وهذا يفسّر ما اختير على الغلاف الخلفيّ: "الكاتب الّذي يزعج السّلطة يتحوّل في السّجن إلى موعظة.. فأنت لا تستطيع مهما فعلت أن تفلت من النّظام. كلّ شيء تفعله يمنح الشّرعيّة لخصمك، خصمك أكبر منك، هذه اللّعبة أكبر منك، وأنت مثل أطفال السّياسة إيّاهم.. لو أنّه كتب شيئًا يومها لكان كتب عن الآلة الصّمّاء الّتي تسحق القلب، الآلة الّتي وجد نفسه أحد تروسها. لو أنّه كتب لاعترف بالأمر ببساطة، لا يوجد أبطال وكلّنا تروس". وليست هذه الآلة الصّمّاء إلّا المشنقة الّتي سلبته روحه دون أن تمسّه

    تؤكّد العيسى من خلال شخصيّة جاسم وتجربته في السّجن، ثمّ مقارنتها مع صديقه نايف الّذي سجن كذلك، أنّ الخراب الّذي يتركه السّجن في نفس السّجين لا يتعلّق بطول فترة السّجن أو مدّتها، بل بالسّجين نفسه وطبيعته والفروقات الفرديّة النّفسيّة التّي يتميّز بها كلّ سجين؛ مدى صموده وقوّته مقابل ضعفه؛ وفي فهم السّجين وإدراكه لماهيّة الأشياء، ومدى عمق إحساسه وتفكيره. وقد يكون الفرق بين جاسم ونايف نابعًا من كون جاسم كاتبًا، وكأنّ الكاتبة تريد الإشارة إلى أنّ الكاتب يرى الأشياء ويشعر بها بشكل مختلف عن الآخرين، وذلك لرهافة إحساسه وعمق تأمّله في الأشياء، فكان يكفيه ستّة شهور في السّجن حتّى يختبر حقيقة القمع داخل الجدران، كان يكفيه أن يرى المشنقة رغم إدراكه أنّه لن يحكم عليه بالشّنق، إلّا أنّه اختبر قسوتها وقسوة مصادرة حياة الآخرين، وأدرك كنه السّجن وخباياه.

    وفي ظلّ هزيمته وكفره بكلّ الأشياء عجز عن الكتابة، مثلما عجز عن التّصالح مع عالمه ومجتمعه، فيقرّر الرّحيل والهجرة إلى لندن؛ كانت الهجرة من الوطن هي الخلاص والهروب من هذا الوشم إلى منفاه الاختياريّ. لقد أدرك أنّه خسر وطنًا وحبيبة بعد تجربة السّجن القاسية: "في السّجن تدرك معاني خساراتك.. لن تخرج منه إلّا وقد تحقّق الانكسار". ورغم أنّه كان قد أقسم ألّا يعود إلى بلاده مهما حدث، رافضًا العودة إلى بلادٍ حيث النّاس لا يشبهونه ولا يشبههم، إلّا أنّه كان في غربته ومنفاه كثيرًا ما يشتاق بلاده، يشتاق الخليج، رائحة الملح والرّمل والأصداف، فهذه هي الرّائحة الّتي تحوي في داخلها كلّ العالم؛ رائحة البحر، رائحة المرأة الّتي تتهيّأ للحبّ، كان يشتاق إلى دانة" (ص 79)

    حتّى دانة الحبيبة عجز بعد السّجن عن أن يسمّي علاقته بها حبًّا، وأن يحقّق وعده لنفسه بالزّواج منها. فكيف يفعل وهو المهزوم بعد السّجن؟ وهو العاجز عن كسر الجدار؟ الجدار الّذي يحول بينه وبينها لكونه "ابن الإله" (ص286) مثلما وصفته دانة نفسها.. ابن السّيد عبد المحسن العظيميّ؟! أمّا هي فلم تكن إلّا دانة داود، فتاة أقلّ منه اجتماعيًّا وطبقيًّا. "فلماذا من بين جميع المعارك الّتي خاضها ضدّ الجدران والحكومة والمعارضة ووالده، لماذا جبن عن المعركة الوحيدة ضدّ نفسه؟ لماذا تركها تنسلّ خارج حياته كما لو أنّ الأمر "أكبر منه"، وكأنّ كلّ الأشياء أكبر منه؟" (ص 287). ولماذا لم يستطع الزّواج منها؟ وماذا يعني ذلك؟ إنّه القمع الّذي يشوّه الحبّ، إنّه السّجن والقهر والجبن يمنعنا من تسمية الأشياء بمسمّياتها، إذ لم يكن قادرًا على تسمية علاقته بدانة، فماتت دون أن يعترف لها بالكلمة الّتي انتظرتها طويلًا، قُتلت والشّكّ يساورها. لقد أدرك جاسم أنّ والده وأمّه وشقيقه "لن يقبلوا بهذا الزّواج.. وعلى افتراض أنّ أسرتها قبلت بزواجه منها إذا ما طرق بابها وحيدًا، فستعيش معه في عزلة أليمة، موصومة بأنّها ناقصة وأقلّ ممّا يجب، فكيف يمكنه أن يفعل ذلك بها؟"(ص 240). إنّ قوّة العائلة في مجتمع محافظ له تقاليده لن تتقبّل بسهولة من يحاول الخروج عن التّقاليد ويكسر هذا التّابو الاجتماعيّ. فكيف يقوى ويتحمّل تبعات تسمية الأشياء بأسمائها وقد تلوّث بالهزيمة؟ جاسم لن يستطيع أن ينسى أنّه "ابن الإله"- مثلما قالت له دانة- "ربما في عالم آخر لن يكون هو ابن العظيمي ولن تكون هي دانة داود"(ص 286). لقد تحوّل هذا الجدار الاجتماعيّ إلى كابوس يراه في أحلامه، يرى جدارًا يفصله عن دانة ولا يصلها، متسائلًا: "إلى أيّ حدّ يمكن لاسمك أن يحدّد مصيرك"؟(ص 287). جاسم الّذي عرف معنى الانكسار والهزيمة كالصّنبور المكسور في بيته الهدام

    الدار العربية للعلوم ناشرون
    037676

    Fiche technique

    دار النشر
    الدار العربية للعلوم ناشرون
    المؤلف
    بثينة العيسى
    عدد الصفحات
    333 صفحة
    القياس
    14,5 x 21,5 سم
    الطبعة
    الثالثة 2017

    Références spécifiques

    autres produits de la même catégorie